أزمة شركة "سعودي أوجيه" تتفاقم بشكل كبير، وسط صمت مريب وشبه تعتيم من قبل وسائل الإعلام، لموضوع يجب أن يطرح في كل نشرات الأخبار، بل إنه يستدعي تحركاً على أعلى المستويات الرسمية والاجتماعية، حتى لو كان صاحب الشركة رئيساً للوزراء.
هذه الأزمة المستمرة منذ سنوات عدة، تصاعدت تدريجياً لتنعكس بشكل مدمّر على آلاف اللبنانيين الذين تركوا بلدهم بحثاً عن لقمة العيش، وتعبوا وأفنوا سنوات عمرهم، فضاعت حقوقهم وضاع تعب السنين، ووجدوا أنفسهم في الشارع، يبحثون عن قسط مدرسة وعن إيجار شقة، وعن سند للبنك، بل عن قوت لأطفالهم وعن ثمن دواء.
16 راتباً، فضلاً عن بدل إجازات وسكن وسفر، وعن تعويضات كبيرة، كلها تراكمت في ذمّة الشركة، لصالح الموظفين. كما أخذت الشركة تمتنع تدريجياً عن دفع الـتأمينات الصحية، ما أدى في بداية العام 2016، إلى إلغاء عدد من المستشفيات لعقود التأمين، ليصبح بالتالي الآلاف، كباراً وصغاراً، من دون تغطية صحية.
وقد رفض مكتب العمل السعودي تجديد إقامات موظفي الشركة لسبب أن الأخيرة لا تدفع الرواتب. وبالتالي، أصبح الآلاف دون إقامة، فتجمدت حياتهم، إذ ان كل شيء، من معاملات وعقود سكن وغيرها، مرتبط بالإقامة. وفي الوقت نفسه، لا يستطيعون ترك الشركة والبلد، كي لا تضيع حقوقهم المتراكمة، ومنهم من هو مدين ولا يحق له أصلاً المغادرة.
وبعد أن تفاقمت مسألة الإقامات، وبات الآلاف من دون إقامة سارية، فتح مكتب العمل التجديد لـ"سعودي أوجيه"، لفترة قصيرة جداً، وعلى نفقة الموظفين أنفسهم.
في غضون ذلك، باتت مجمعات سكن العمال بلا طعام، ولا كهرباء، ولا مكيفات في عز الحرّ، وتراكمت النفايات في جميع مكاتب الشركة، في مشهد من الفوضى العارمة. وقد تظاهر العمال احتجاجًا على أوضاعهم. ولم يكن هؤلاء ليتجرأوا على اللجوء إلى التظاهر لولا خطورة الموقف عليهم وعلى عائلاتهم. وفي وقت لاحق تمّ ترحيل الآلاف من العمال الآسيويين، وسط صمت من الشركة، التي لم تدفع أياً من الحقوق المترتبة في ذمتها لهؤلاء العمال الفقراء.
كما جرت حملات طرد لعدد كبير من الموظفين اللبنانيين والعرب، من دون أن تدفع الشركة ريالا واحدا لأي منهم، مع العلم أن السلطات أعطت 60 يوماً لنقل الكفالة، ثم نفذت الترحيل بحق من لم يستطع نقلها إلى طرف آخر. وأكبر هذه الحملات جرت أواخر الصيف الماضي.
بعد ذلك، تلقى الموظفون الذين لم يشملهم الطرد وعوداً بأن الأمور ستتحسن قريباً، وبأنه سيتمّ نقل كفالاتهم الى شركة جديدة قيل أنها تخص سعد الحريري، على أن تدفع كل المستحقات وتبرم عقود جديدة مع تلك الشركة. إلا أن أياً من ذلك لم يحصل.
لكن ما دفع إلى التفاؤل كان ما نقل من أخبار عن طلب مكتب العمل السعودي من شركة "سعودي أوجيه" تزويده بتفاصيل الرواتب غير المدفوعة حتى تموز 2016 (تسعة رواتب)، وذلك كي يطلب من وزارة المالية دفعها، على أن تُحسم من مستحقات "أوجيه" على الدولة. إلا أن ذلك أيضاً لم يحصل.
وفي مطلع العام الجاري، عمد مكتب العمل إلى إيقاف خدمة الخروج والعودة التي كانت تتمّ في "سعودي أوجيه"، ليعود الأمر إلى ما كان عليه منذ سنوات، أي إرسال الشركة معقباً لإصدار الأذونات من وزارة الداخلية.
وفي منتصف شباط الماضي، أي منذ أيام، منع مكتب العمل إصدار أي إذن للخروج والعودة لموظفي "سعودي أوجيه" (لعدم حيازتهم تأميناً صحياً)، وبالتالي أصبح هؤلاء بمثابة الممنوعين من السفر، ويبحثون عن الاستدانة من هنا وهناك لسدّ حاجاتهم.
وهذا الأسبوع، ذهب وفد من موظفي الموارد البشرية في الشركة إلى مكتب العمل السعودي، للاستفسار عن إمكانية دفع الرواتب المستحقة حتى تموز 2016، كما قيل سابقاً، ولفتح نظام تجديد الإقامة، وللسؤال عن إمكانية إعادة منح أذونات الخروج والعودة، لكن مكتب العمل رفض كل ذلك.
والخبر الأسوأ، الذي يتمّ تناقله الآن، هو أن الشركة اتخذت قراراً، تتجه لإصداره سريعاً، (ما لم تحصل تدخلات كبيرة في آخر لحظة) بتسريح جميع الموظفين من دون أي مستحقّات، وهو الأمر الذي تسبّب بحالة غليان وسط خوف وترقّب لكارثة كبرى، سيكون للبنان واللبنانيين النصيب الكبير فيها. ونتائج هذه الكارثة على الداخل اللبناني ستفوق بأضعاف ما نتج عن الترحيل الخليجي للبنانيين خلال السنوات الماضية.